الدرعية في يوم التأسيس.. حاضنة البدايات السعودية وسِفْر الحكايات البطولية
20 فبراير 2022شكلت الدرعية عبر تاريخها الممتد نقطةَ انطلاقٍ للدولة السعودية وعاصمةً سياسيةً وثقافيةً واجتماعيةً، ومهدَ حضارةٍ إنسانية عظيمة قادها الأئمة الأوائل من أسرة آل سعود، حيث احتضنت أسوارها قصصًا بطولية في التضحية والفداء والذود عن حمى الدولة التي أسَّسها الإمام محمد بن سعود عام 1139هـ/ 1727م.
ويعدّ مؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن من الشخصيات العظيمة البارزة في تاريخنا السعودي؛ فهو الإمام المؤسس وهو من وضع أركان هذه الدولة العظيمة المباركة وأساس الحكم الرشيد. وحَّد الإمام محمد بن سعود الجهات في الدرعية واستطاع نقلها نقلةً كبرى من دولةِ مدينةٍ قادرة على احتواء ما حولها من المواقع إلى دولةٍ كبرى استطاعت توحيد معظم أرجاء الجزيرة العربية.
تحقق في عهد الإمام محمد بن سعود عددٌ من الإنجازات، كتحويل الدرعية إلى مركز حضري متميّز، وبناء أحياء جديدة، وبناء سور للدرعية لحمايتها من الهجمات، وتأمين طرق الحج والتجارة، وبسط الأمن والاستقرار والأمان، والعناية بالتعليم. وعمد الإمام محمد بن سعود إلى تنظيم الأوضاع مع القبائل المحيطة بالدرعية من أجل إسهامها في أعمال البناء والوحدة. وقاد الإمام محمد عددًا من حملات التوحيد قبل أن يُسلّم قيادة الجيش إلى ابنه عبدالعزيز.
عمل الإمام محمد لأن تكون السياسة المالية والاقتصادية للدولة مبنيةً على أسس صحيحة؛ لذلك عمل منذ تأسيسها لتنظيم الموارد المالية وتقنينها، واستطاع في مدة وجيزة أن يجعل الدرعية من أعظم المراكز المالية في وسط الجزيرة العربية.
بعد وفاة الإمام محمد بن سعود في عام 1765م، خلفه في الحكم ابنه عبدالعزيز بن محمد بن سعود إلى أن اغتيل في العشر الأواخر من رجب عام 1803م، فتولى بعده ابنه سعود إلى أن توفي عام 1814م في الدرعية، وبويع ابنه عبدالله الذي استمرَّ في العمل الصامد ضدّ الحملات العثمانية المعتدية. واستمرّت الدرعية عاصمةً للدولة إلى أن اختار الإمام تركي بن عبد الله -رحمه الله- الرياض مقرًّا للحكم عام 1824م.
وفي ذكرى يوم التأسيس يستشعر السعوديون الماضي المشرق والصفحات المضيئة التي خطّ الأجداد سطورها بدمائهم، حتى تحولت الدرعية أيقونةً وطنية برمزيتها وتأثيرها في مسار الأحداث التاريخية التي مثلت منعطفات مهمّة وحاسمة في تشكيل الدولة السعودية، وصولًا إلى توحيد المملكة العربية السعودية على يد المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -طيّب الله ثراه-.
يعود تاريخ تأسيس الدرعية إلى منتصف القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، حين انتقل مانع المريدي بأسرته من شرقي الجزيرة العربية إلى وادي حنيفة بدعوة من ابن عمه ابن دِرع صاحب حَجْر والجزعة، فمنحهم موضعي "المليبيد " و"غصيبة"، فاستقرّ فيهما مانع بأسرته، وأصبحا مأهولين بالسكان، لا سيما أن أرضهما خصبة للزراعة، وأنشأ فيهما الدرعية، فأصبحت إمارة قوية بقيادة أئمة الدولة السعودية.
وتتبع الدرعية إداريًّا منطقة الرياض، وتبعد عن العاصمة الرياض 20 كلم، وتبلغ مساحتها قرابة 2020 كيلومترًا مربعًا، ويبلغ عدد سكانها نحو 74 ألف نسمة. وكانت منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة "اليونسكو" قد أعلنت في عام 2010م حي الطريف التاريخي في الدرعية موقعًا تراثيًّا عالميًّا، كما اختارت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألسكو" أواخر العام الماضي 2021م الدرعية عاصمة للثقافة العربية للعام 2030، لتصبح ثاني مدينة سعودية يقع عليها الاختيار بعد الرياض عام 2000م.
وتقوم هيئة تطوير بوابة الدرعية اليوم بمسؤوليات عدّة ضمن نطاق عملها الذي يمتدّ مشروعه التطويري على أكثر من 7 كيلومترات مربعة، ويشمل حيَّ الطريف التاريخي الذي يعدّ مقرَّ الحكم لأئمة الدولة السعودية الأولى والثانية، ويحوي القصور والمساجد والنطاق السكاني لأهالي الدرعية في ذلك الوقت، إضافةً إلى مطل البجيري وغيرهما من المواقع، وبدعم غير محدود واهتمام ورعاية من قيادتنا الرشيدة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسموّ ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس مجلس إدارة الهيئة تعمل الهيئة لحفظ هذا الإرث التاريخي العظيم لأرض الملوك والأبطال، ولإبرازه على النحو الذي يسهم في تحويل الدرعية إلى وجهة أولى عالمية بالتوازي مع المشروعات التطويرية الأخرى التي توائم بين القيمة التاريخية للمكان ومتطلبات الحياة العصرية، بما يسهم في الارتقاء بجودة الحياة ويواكب أهداف رؤية المملكة 2030.